الدين والسياسة والدولة ولعنة «برمودا» .. حسين الرواشدة

3

ماذا حدث في سوريا؟ أحكمَ الأسد المخلوع قبضته على الدولة وألغى السياسة، الدولة افتقدت عافيتها فأصبحت هشة تماما، التنظيمات الدينية دخلت، باسم الشعب، على الخط، ثم بسطت سيطرتها ( بدعم خارجي) على الدولة، سبق سوريا إلى هذا المشهد، خلال السنوات العشر الماضية، عدد من دولنا العربية، والحبل على الجرار.

لكي نفهم ما حدث، ثمة «مثلث» أشبه ما يكون بـ «برمودا» في محيطنا العربي (وربما الإسلامي أيضا)، نعرفه تماما، ولكننا نخشى دائما الاقتراب منه بما لدينا من أدوات وتجارب يمكن ان تسعفنا بإعادة اكتشافه، ثم التكيف معه لتلبية حاجاتنا – كبشر-، وتطلعاتنا – كعرب -، أيضا.

«برمودا» الذي أقصده له ثلاثة أطراف: الدين والدولة والسياسة، بما يشتمل عليه كل طرف من فاعلين ووظائف وأدوار، وما ترتبط به الأطراف الثلاثة من حركة فيما بينها وعلاقات، يطل على هذه الأطراف فاعل رابع مهم وحاضر على الدوام، وهو» الآخر» مهما كانت جنسيته، هذا الذي يتدخل ويركب الموجة ثم يحاول أن يضع « السياق»، ويدير «دفة» المركب وفق بوصلة دوره او مصالحه.

حين ندقق بهذا المثلث سنلاحظ، اولاً، أن الدين أفرز تدينا مشوّها، ساهم التدين السياسي، تحديدا، ولاحقاً التدين المسلح، بإقحامه في حلبة صراع لا علاقة له بها، وأن الدولة ( التي يفترض أن تكون وطنية) انسحبت من وظيفتها ولم يبق منها إلا هياكلها، كما أن السياسة توقفت عجلاتها عن الحركة، وانسدت أبوابها بفعل الاستعصاء تارة، والإقصاء تارة أخرى.

نلاحظ – ثانيا- أن انفجار الخصومات بين أضلاع المثلث (الفاعلين فيه: أدق) أفقد الدين سكينته وحيويته، وقبل ذلك وظيفته (الهداية)، وأفقد الدولة عدالتها وأبوتها المفترضة، وأحيانا وطنيتها، كما افقد السياسة شرعيتها ومشروعيتها النابعة من حواضنها الاجتماعية، ناهيك أن ما حدث من توظيف بين هذه الأضلاع أضر بها جميعا، وأتاح للآخر الأجنبي استخدام الجميع لخدمة أجنداته ومصالحه.

نلاحظ – ثالثا- أن حالة التدين، لا سيما عند الشباب الذين تراكمت معاناتهم (لأسباب اقتصادية أولا وسياسية ثانيا) تعرضت لتحولات عميقة وسريعة، انتهت إلي بروز نمط جديد من التدين العنيف، سواء تحت إغراءات البحث عن الدولة المثالية، أو للتحرر من الواقع الصعب، حتى أن نموذج « الأفغان» الحاضر الآن في الذاكرة أصبح مصدر إلهامٍ لهؤلاء وافتخارٍ أيضا.

لا اريد أن أستغرق بمزيد من التشخيص لحركة هذا المثلث الخطير في حياتنا العربية، ولما يتعرض له من انسدادات وما أنتجه من عواصف في حاضرنا، ومخاوف على مستقبلنا، يهمني فقط أن أشير إلى مسألتين (بوابتين) للخروج من هذا المأزق التاريخي والمعاصر: الأولى ضرورة إصلاح كل ضلع من هذه الأضلاع الثلاثة (تحديث منظوماتها إن شئت) بما يتناسب مع مقاصد الدين ونموذج الدولة الوطنية العادلة، وضرورات العصر ومستجداته، ثم ترسيم العلاقة بينها بما يضمن سلامة كل ضلع في مساره.

المسألة الأخرى، إبرام مصالحات تاريخية بين الفاعلين داخل «المثلث»، والتوافق على وصفة تسمح للدين والدولة و»الدينمو» السياسي بصناعة ديمقراطية عادلة، تعيد للشعوب العربية – كما حصل لغيرها- قدرتها على التعامل مع قضاياها و «دنياها»، دون ان تدفع ثمن الصراع بين هذه الأضلاع تحت أي ذريعة»، ودون أن تطاردها «لعنة برمودا» وسردياته المجهولة.

قد يعجبك ايضا