رسالةٌ للأشقّاء السوريين

191

 

أزهر طوالبه

في الآونةِ الأخيرة، أصبحَ السوريّونَ يسمعونَ الكثير من الأصوات “القذِرة” الّتي تُحاول قمعَ أي رأيٍ مُخالِف، ومع أوّل اختلاف، يُسلّ سيف التخوين.

هناك من يستهتِر بالأشخاص الّذين ظلّوا صامتينَ لسنواتٍ طويلة، ويسألهم: “أين كُنتُم قبل الآن؟” ولكن في الواقع، لا يُمكنُنا إلقاء الّلوم على من سكتوا لسببٍ ما، سواء بسبب الخوف، أو سعيهم وراء لُقمة العيش، أو بسببِ الظُروف القاسية الّتي مرّوا بها. لا يُمكن لأحد، أيّ كان، أن يُزاود على هؤلاء الّذينَ صمتوا في وقتٍ كان فيه الكلام يُساوي خطرًا على حياتِهم أو حياةِ من حولهم. صمتُهم لم يكن نتيجةَ إهمالٍ أو تجاهُل، بل كان نِتاجَ قسوةِ الواقع وضغوطاته.

دائمًا، كانَ هُناكَ من يُعبِّر عن قهرِه في المجالِس الضيِّقة. لكن، القليل فقط كانت لديهم الجُرأة ليُواجِهوا الرّأي العام، ويُعلِنوا ما كانوا يشعرونَ به. النّاسُ لا تتشابَه في ظروفِها، ولا في قُدراتها على المُواجهة أو الشجاعة، ولا في استعدادِها لتحمُّلِ المخاطر. يجب أن نُدرِك أنَّ لكُلِّ شخصٍ أسبابُه الخاصّة وظُروفه الَّتي تُحدِّد ردّ فعله. هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال، تجاهُل أو التقليل من قيمة الّذينَ وقفوا علنًا ضدّ الظُلم، ورفعوا أصواتهم في وجهِ القمع والمُستبدين. أولئكَ الّذين دفعوا الثمنَ الغالي من أجل مبادئهم هم جزءٌ لا يتجزّأ من الحَراك الثوريّ. لكن، من المُهم أن يتفهّمَ كُلّ سوريّ، أنَّ هذا الحَراك كان متنوّعًا ومعقّدًا، ولم يكن يمكن لأيّ شخصٍ أو مجموعة ادّعاءَ تمثيل كُلّ جوانب الثّورة، أو أن يكونوا هُم فقط من يمثِّلونَ “الخطّ الثوريّ” الوحيد.

في النهاية، وعلى مُستوى التّاريخ، لا يُوجد حَراك ثوري شاركَ فيه كُلّ الشّعب بنفسِ الطريقة. فالنّضالاتُ الشعبيّة تتفاوت، وتختَلِف من شخصٍ لآخر، حسبَ الظروف والأسباب الّتي دفعتّهُ للمُشاركة، ولذلك لا يُمكِن احتكارَ مفهوم الثّورة أو الثوّار. فتوزيع “شهادات حسن السلوك الثوري” يشبَه، إلى حدٍّ بعيد، توزيع “شهادات الوطنيّة” الّتي كان النظام السّوري السّابِق يوزِّعها وفقًا لمصالِحه الخاصّة.

سوريا لم تشهد حراكًا سياسيًا واجتماعيًا سليمًا منذ عام 1958، ولهذا من الطبيعيّ أن يكونَ هناكَ تنوّعًا في الآراء والاتّجاهات في مرحلة ما بعد الثّورة. لكن، ما هو غير طبيعي بعد أكثر من 13 عامًا من الصراع الدموي، هو غياب المساحة الٍتي تسمح للسوريين بالاستماعِ إلى بعضهم البَعض، والاعترافَ بتنوّعِهم واختلافاتهم.

يجب أن يكون من حقّ الجميع أن يُعبّروا عن آرائهم بحُريّة، وأن يكونَ لهُم الحقّ في أن يكونوا مُختلفين، دونَ أن يتعرَّضوا للتّهميشِ أو التّخوين. وأخيرًا، على السّوريينَ، الّذينَ لا أظنُّ أنّ فيهِم مَن لا يُدرِك قيمةَ وأهميّة سوريا الجديدة، أن يُبقوا في أذهانِهم، أنَّ الصراع ضدّ النظام السابق كان نتيجةَ الاستبداد الذي لم يترُك مجالًا للتّنظيمِ أو التطوُّر الاجتماعيّ. اليوم، وفي بدايَة مرحَلة ما بعد الثّورة، يقف السوريونَ أمام مُهمّةٍ وطنيّةٍ تاريخيّة، تتمثَّل في بناءِ دولةٍ تقوم على العدالةِ والمُساواة وحقوق الإنسان. في هذه الدولة، أي سوريا الجديدة، يجب أن يُتاح للنّاس، بكلّ قوميّاتهم وطوائفهم ومُعتقداتهم، الانخراطَ في العمل السياسيّ، وأن يكونَ لهُم الحقّ في تنظيمِ أنفُسهِم وفقًا لمصالِحهم الخاصّة، وحماية حقوقهم. يجب أن يكون هُناك مساحة حقيقيّة للرقابَة الشعبيّة على الأجهزةِ الحُكوميّة، وليسَ العكس.

السّوريّونَ، اليوم، بحاجةٍ إلى فضاءٍ سياسيّ يُشجِّع على التنوُّع والتعدُّديّة، ويعتَرف بأنَّ لكُلّ فرد سوريّ، الحقّ في المُشاركة والتّعبير عن رأيه بحُريّة، بما يُساهِم في بناءِ وطنٍ للجميع.

قد يعجبك ايضا