الأردن وجيرانه الجدد في سورية

50

فهد الخطيان

قبل أحداث السابع من أكتوبر بأسابيع، كان لدى صانع القرار الأردني تقديرات قوية بأن “الستاتيكو” السوري لن يبقى على حاله، فثمة شيء يلوح في الأفق. صاحب هذه الانطباعات لديه قلق مشروع من فوضى محتملة، تستدعي جاهزية أردنية عالية للتعامل مع التداعيات المحتملة على الأمن الوطني الأردني ومعادلة الاستقرار في المنطقة.
منذ ذلك الوقت، اتخذ الأردن الاستعدادات اللازمة، مستندًا إلى خبرته الطويلة في التعامل مع أزمات الجوار وانهيار منظومات الأمن في دول المنطقة، وسيطرة مجموعات إرهابية مسلحة على المناطق الحدودية.

عملية “طوفان الأقصى” فرضت نفسها على حساب باقي الملفات، إلى أن تمدد الرد الإسرائيلي إلى لبنان، فانكشف “المحور” تمامًا بعد الضربات القاسية التي تلقاها حزب الله، وتهيأت الظروف للانقضاض على النظام السوري وتسوية الحساب معه. كان سقوط نظام الأسد أسرع بكثير مما توقع أشد خصومه، بمن فيهم الفصائل المسلحة التي دخلت كبرى المدن السورية كما لو أنها مجموعات سياحية تمضي مستمتعة في شوارعها.

كان تقدير الأردن أن السلوك المتعالي للنظام السوري تجاه الأشقاء العرب، ورفضه التجاوب مع مبادرات الحل السياسي وفك العزلة عن سورية – بما في ذلك المبادرة الأردنية التي بذلت الدبلوماسية الأردنية جهودًا مضنية لحشد الدعم الدولي لها – سيفضي إلى صدام عسكري لا محالة. وينبغي هنا التأكيد أن هدف الأردن من تلك التحركات كان إنقاذ سورية من سيناريو الفوضى والحرب الأهلية، وليس تعزيز سلطة نظام الأسد.

تحرك الأردن للتعامل مع التطورات المتسارعة، وكان الوزير أيمن الصفدي أول وزير خارجية عربي يزور سورية بعد سقوط النظام. وتلت ذلك قرارات حكومية تخدم مصالح البلدين على الصعيد الثنائي، ثم الترتيب لزيارة مرتقبة هذا الأسبوع لوزير خارجية الإدارة المؤقتة السورية إلى عمان، واجتماعات مرتقبة على مستويات أمنية وعسكرية لترتيب ملفات ذات أولوية.

التحرك الأردني السريع تجاه سورية “الجديدة” لا يختلف في منطقه السياسي عن التحركات التي قام بها الأردن سابقًا لفك العزلة عن دمشق. سورية في الجوار الأردني، وبصرف النظر عمن يحكمها، هناك مصلحة أردنية في استقرارها والمحافظة على وحدتها أرضًا وشعبًا، بخلاف دول أخرى تبعد عن منطقتنا آلاف الأميال ولا يعنيها كثيرًا مصير دولها. كان هذا جوهر المحاججة الأردنية لدول أجنبية جادلت الأردن مبكرًا بشأن استراتيجيته حيال التطورات في سورية.

لا يملك المرء دائمًا حرية اختيار جيرانه، وكان قدر الأردن على الدوام أن يتعامل مع أنظمة في الجوار لا تكن له الود ولا تتورع عن السعي لتقويض أمنه واستقراره. وفي صراعه على مدى أكثر من قرن، طور الأردن قدرته على إدارة هذه العلاقات بما يحفظ مصالحه، ويردع الجيران المزعجين عن التدخل في شؤونه، مثلما أبدى على الدوام استعدادًا عاليًا لبناء علاقات أخوية دافئة أساسها المصالح المتبادلة.

اختبرنا العلاقة مع نظام البعث لعقود طويلة في سورية، ونحن اليوم في طور التعرف على قوى جديدة أحكمت قبضتها على دمشق. قوى من طينة سياسية مختلفة تمامًا، وفي وضع داخلي سوري تتعادل فيه فرصة الاستقرار مع فرص الاحتراب الأهلي. وليس من مصلحة للأردن سوى الدفع بكل قوة لدعم خيار الاستقرار وتجنب الحرب الأهلية ومخاطر التقسيم التي تطل برأسها.

الأردن ربما هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتوافق حساباته الوطنية مع حسابات أغلبية الشعب السوري في رؤية بلدهم وقد استعاد عافيته واستقراره، واحتل من جديد مكانته التي يستحقها بين دول المنطقة دون وصاية أو تدخل من أطراف خارجية.

ثمة متطلبات لتحقيق هذه الأهداف لا بد أن يدركها الحكام الجدد في سورية، فالمخاوف من سرديتهم السابقة مشروعة، وموقفهم من التحول الديمقراطي محل شك إلى أن يثبتوا العكس بأفعالهم لا الأقوال فقط.

وإلى ذلك الحين الذي تستقر فيه سورية على سكة السلامة، سيبقى الملف السوري في صدارة أولويات مطبخ القرار الأردني، يزاحم الملف الفلسطيني بقوة على المرتبة الأولى في أجندة العمل الأردنية.

يأمل الأردن بألا تضيع الفرصة على سورية مرة أخرى، بعد أن أهدر النظام السابق فرصًا كثيرة كان لها أن تنقل هذا البلد إلى طريق النجاة دون الحاجة إلى هذا الاختبار العسير والمؤلم.

تجارب دول عربية مع التحول السياسي لا تبعث على التفاؤل، فقد تركها التغيير تترنح في وحل الفوضى والاحتراب الداخلي وصراع الميليشيات. فهل يتعلم السوريون الدرس؟
يد الأردن ممدودة لمساعدتهم على جعل سورية استثناءً من هذا المصير.

 

قد يعجبك ايضا