ثمة ما يُشعرني بالزهو الوطني
عبدالله بني عيسى
لدي ما يبعث ليس فقط على الارتياح، بل والزهو الوطني أيضاً. أشعر أن بلادي قد طوت فصلاً شديد الصعوبة سياسياً واقتصادياً بانتهاء الحرب على غزة. سيكون أمام الدارسين والباحثين والاستراتيجيين مادة غنية تروي قصة بلاد نجت من أتون نيران متعددة الاوجه، وتنهض كطود شامخ سليمة معافاة، لم يمسسها شرور الحاقدين، ولم تنزلق إلى ما تمناه لها قريبون وبعيدون.
نجونا وبُعثت الحياة لنا من جديد.. ذلك لأننا من أكثر من اكتوى بنيران هذه الحرب بعد الأشقاء الفلسطينيين أنفسهم، ومن أكثر البلاد التي استُهدِفَت من القريب والبعيد. صَبّ البعضُ فوق رؤوسنا كميات لا تُحصى من تهم التخوين والكذب وتزييف المواقف والتضليل. حاول البعض زجّنا في خانة الأعداء، وشكك آخرون في كل شيء، بدءاً من المساعدات الغذائية، مروراً بالانزالات والخيم وصولاً إلى التصريحات والمواقف. حتى الجهد الطبي الميداني رغم صعوباته ومخاطره، ناله ما ناله من التشكيك والتصغير والافتراء.
خرج من بيننا من يتظاهر في وسط عمان، يتحرّشون برجال الأمن، ويتهمونهم بـ “الصهينة”، ويرفعون راياتٍ غير راية البلاد، ويبايعون زعماء خارج الحدود، ويضعونهم في منزلة “البيرق العالي”، ويمجّدون من كَمَنَ يوماً لبلادهم وأراد بها الوقيعة، وسعى لخرابها وتفجيرها، وطالبوا بفتح الجبهات وهم يعلمون أنها انتحار حتمي.. أهي الحماقة أم الكراهية!.
توقف حال الاقتصاد، تعطلت السياحة، وتراجع الزوار، ولولا حنكة بعض المخلصين وعملهم الدؤوب، لدفع اقتصادنا ثمناً لا قِبَلَ لنا به.
في الأثناء، كان الأردن يواجه عدواً من نوع آخر في الجبهة الشمالية، لا يكل عن العبث بأمنه بتهريب المخدرات والأسلحة، وآخر يتربص بنا على الجبهة الشرقية، ويستهدف سلامة البلاد بزعم الانتصار لفلسطين، وثالث ورابع عمدوا إلى إرسال الصواريخ لتمر فوق سمائنا، فقط لإحراجنا وزجنا في الحرب، يروننا ثمناً عابراً رخيصاً لممانعتهم.
في الغرب منا عصابة مجرمة لا تلبث تحيي أحلام التهجير وتصدير الأزمات والعبث بالديمغرافيا، وتكريس الاحتلال. وفي الجوار الشمالي، نظام ديكتاتوري شرس يسقط، وطبقة حاكمة جديدة تأتي إلى السلطة بتاريخها الملتبس ومستقبلها الغامض.
أن تنجو البلاد من كل هذه المخاطر وتخرج سليمة آمنة معافاة، وشعبها يعيش حياته الطبيعية، الطالب إلى مدرسته وجامعته، والمريض يجد من يعالجه ويقدم الدواء له، ودوريات الشرطة تحرس النظام العام.. الآباء إلى أعمالهم، والأمهات إلى ابتهالاتهن، والشباب إلى أحلامهم، ويجتهدون لتخطي صعوبات العيش، فهذا يعني من بين ما يعني، أن ثمة بلاداً حرة يحق لها أن تزهو بنفسها وبالمخلصين لها والمحبين ممن يقبضون عليها في حنايا القلوب، ويضعونها بين الرموش وأهداب العيون، ويدفعون عنها الشرور بكل ما أوتوا من وفاء.
نعم.. رغم كل هذا الألم من حولنا وبيننا، لدي ما يُشعرني بالزهو الوطني.