عبدالله بني عيسى يكتب: “أن تمشي على حافة أردنيتك”
عبدالله بني عيسى
لتظل مقبولاً في زمن الخطب والصخب، عليك أن تمشي على حافة أردنيتك، حتى لا يدهمك طوفان التخوين والتجييش والعسكرة. فإن أظهرت قلقك على بلادك أكثر من اللازم، وسط الأمواج العاتية في المنطقة، فعليك أن تتقبل سلفاً لقب “سحيج”، أو وصفك بالعنصري أوالإقليمي. عليك إن توخيت رضا الجماهير المتحمسة دوماً، أن تبدي فتوراً وأنت تتحدث عن سيادة بلادك وحدودها وتاريخها ومستقبلها، بل حتى وأنت تتحدث عن حقها في الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها أمام صواريخ العابثين بالمنطقة ومهربي السلاح والمخدرات. وستكون أكثر قبولاً عند الجماهير إياها إن شكّكت في مواقف البلاد من كل شأن، ابتداءً من الحرب على غزة ثم على حزب الله وصولاً إلى موقفها من الاتفاقية الدولية الداعية إلى حظر أكياس البلاستيك في الدكاكين. ولتثبت أنك “مقاوم بالضرورة” وهي شهادة أصبحت أشبه بصكوك غفران هذا الزمان، حبذا لو استخدمت مصطلحات مثل: النظام الأردني، الدور الوظيفي، العمالة، التواطؤ، البلاد الفاسدة والمنهوبة.. الخ، إذ ستتخذ حينها لنفسك موقعاً متقدماً في “المقاومة”.
هذا وصف مرير للحال، لكن ليس فيه مبالغة، ولامظلومية مُتوهمة.
قليلة الحظ هذه البلاد، فبعض أهليها يرونها مجرد محطة، عتبة، جغرافيا مُلحقة بأخرى، لا تكتمل بذاتها. وبعض المناضلين الجدد يظنون أن النضال والكفاح والوطنية في الأردن بدأت منذ أن أصبح لديه حساب في فيس بوك، وأصبح يبعثر الشعارات يميناً ويساراً.
في حسابات البعض كراهية لا يمكن تبريرها أو تفسيرها إلا بكراهية الوجود ذاته لهذه البلاد. (والبعض هنا من كل المشارب والألوان والأصول بالمناسبة، وذلك حتى لا تضيق نظرة البعض على نحو مجافٍ للحق).
لغير المؤمنين بهذه البلاد: لو زرعت حوض نعنع اعتنيت به ورافقك في شتاء أو ربيع بخضرته ورائحته، لكان عندك مقدساً وذدت عنه بالنفيس، فما بالك ببلاد عمرها أزيد من 100 عام وكل ذرة في ترابها تهجس بحب من بقوا ومن رحلوا.