تصريحات ترامب .. ثقة زائدة أم غطرسة بلا معنى؟

281

 

كتب محرر الشؤون السياسة في موقع الصافي الاخباري:

في واحدة من مفاجآته السياسة المثيرة للجدل في الأيام التي تلت تنصيبه، وأثناء حديثه للصحفيين في المكتب البيضاوي، الخميس، سُئل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عما إذا كان هناك أي شيء يمكنه القيام به للضغط على مصر والأردن، لاستقبال الفلسطينيين من قطاع غزة، فأجاب قائلا: “سيفعلان ذلك.. سيفعلان ذلك تماما.. نحن نفعل الكثير من أجلهما وسيفعلان ذلك”.

تصريح ترامب هذا الذي يعد من أكثر التصريحات حديةً وصداميةً تجاه الأردن ومصر أثار العديد من التساؤلات حول دوافعه الفعلية، وما إذا كان يستند إلى معطيات واقعية، أم أنه مجرد تعبير عن ثقته المفرطة بنفسه إن لم نقل الغطرسة التي طبعت أحاديثه وتصريحاته في الفترة الأخيرة.

وترامب معروف بأسلوبه الذي يتسم بالتصريحات القاطعة والجزمية”اليقينية” حتى في القضايا التي لا يملك بشأنها معلومات مؤكدة. لنتذكر مثلاً تصريحاته حول ضم كندا وغرينلاند وبنما، التي أصبحت مثار سخرية وتندر في الأوساط الدولية، ولنتذكر كيف أوقف المساعدات الفيدرالية في الولايات المتحدة بشكل صادم، قبل أن تأتي قاضية مغمورة لتلغي قراره.

منذ سنوات وهذا الرئيس يتحدث بلغة “المتغطرس” غير الواقعية، فلطالما ادعى بأنه قادر على قلب كل الموازين لو فاز بالانتخابات، تعهد بوقف الحرب في أوكرانيا فور فوزه بها، وهو ما لم يحصل حتى الآن. هذا نسق رئيس تعوزه أخلاقيات العمل العام والعمل السياسي والدبلوماسي. ماذا يمكن التوقع من رئيس قال مرة: “يمكنني إطلاق النار على شخص في الجادة الخامسة ولن أخسر ناخبين”.

لا يمكن استبعاد أن ترامب، أو دوائر صنع القرار الأميركية، يملكون وسائل ضغط على البلدين، سواء من خلال المساعدات الاقتصادية، أو الاتفاقيات الاستراتيجية، أو حتى التهديد بإجراءات دبلوماسية أو سياسية، فهذا الرئيس لا يمكن توقعه. لكن في المقابل يتضح أن  شخصية ترامب تميل إلى فرض رؤى معينة دون مراعاة الحساسيات الدبلوماسية، وقد يكون تصريحه مجرد تعبير عن رؤية أميركية مغالية في تصور قدرتها على فرض سياساتها، دون أي اعتبار لمواقف الحلفاء أو الحساسيات السياسية والوطنية لديهم أو قدرتهم على الرفض.

هل سبق للأردن اتخاذ مواقف متعارضة مع واشنطن؟

نعم، هناك محطات تاريخية أظهرت فيها الأردن مواقف تتعارض مع الرؤية الأميركية، هذه بعضها:

  1. الموقف من حرب الخليج 1991

خلال أزمة غزو العراق للكويت عام 1990، تبنى الأردن موقفًا وسطيًا يميل إلى رفض التدخل العسكري الأميركي، حيث دعا إلى حل عربي للأزمة بدلًا من الحرب. رفض الأردن المشاركة في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق، رغم الضغوط الاقتصادية والسياسية. ورغم توتر العلاقات مع واشنطن ودول الخليج، ورغم عنه فرض عقوبات غير رسمية على الأردن، وتوقف المساعدات الخليجية.

  1. الموقف من الغزو الأميركي للعراق 2003

رغم الضغوط الأميركية، حاول الأردن إبقاء موقفه حياديًا قدر الإمكان، ولم يشارك في الحرب أو يدعمها .

في الوقت نفسه، حرص على إبقاء علاقاته قوية مع العراق وعدم القطيعة معه.

  1. رفض صفقة القرن (2019-2020)

عارض الأردن “صفقة القرن” التي طرحها ترامب، حيث رآها تهديدًا مباشرًا للقضية الفلسطينية وللأردن، خصوصًا فيما يتعلق بالقدس واللاجئين. وأكد الملك عبدالله الثاني مرارًا رفض أي توطين للفلسطينيين أو المساس بالوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس. ورغم الضغوط الأميركية وحتى الإقليمية لم يغير موقفه.

  1. معارضة الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل (2017)

الأردن رفض بشدة قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل. وقاد حملة دبلوماسية في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ضد القرار. نعم، رغم العلاقة القوية بين الملك عبدالله الثاني وواشنطن، إلا أن الموقف الأردني كان واضحًا وحادًا في رفض الخطوة.

  1. التعاون العسكري مع الصين وروسيا

رغم التحالف الاستراتيجي مع واشنطن، لجأ الأردن في بعض الفترات إلى تنويع مصادر السلاح عبر التعاون مع الصين وروسيا، وهو ما لم يكن مرحبًا به أميركيًا. وليس سراً أن واشنطن ضغطت على الأردن لتقليل التعاون العسكري مع هذه الدول.

  1. رفض إقامة “الوطن البديل” في الأردن

الولايات المتحدة حاولت عبر سيناريوهات مختلفة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن كحل نهائي للصراع، وهو ما رفضه الأردن بشدة. انطلاقاً من رؤيته الواضحة في رفض تصفية القضية الفلسطينية أولاً، وصوناً للهوية الوطنية الأردنية ثانياً. هذا الموقف خلق صدامات مع الإدارات الأميركية، خاصة في فترات محاولات فرض تسويات سياسية على حساب الأردن.

هذه المواقف تُظهر كيف أن الأردن، رغم صلاته العميقة بالولايات المتحدة، ورغم اعتماده جزئيًا على الدعم الأميركي، احتفظ بمساحة استقلالية في سياساته الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

لكن هل سبق أن اتخذت الإدارات الأميركية مواقف إتقامية من الأردن بسبب مواقفه؟

نعم، الولايات المتحدة استخدمت في بعض المحطات وسائل ضغط ضد الأردن:

  • في 2018، قطعت إدارة ترامب المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مما أثر بشكل مباشر على الأردن الذي يستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين، ما استدعى نشاطاً دبلوماسياً عالمياً مكثفاً في العواصم الدولية الفاعلى لشرح خطورة مثل هذا القرار.
  • مارست واشنطن ضغوطًا دبلوماسية على الأردن بسبب موقفه الرافض للتنازل عن ملف القدس أو الرضوخ لصفقة القرن.

 هل يجب أن يتخذ الأردن موقفًا حادًا أم يستمر في سياسته الهادئة؟

الأردن معروف بدبلوماسيته الهادئة والمتزنة، ولكن في بعض الحالات قد يكون من الضروري إرسال رسائل حازمة. التصعيد الكبير قد لا يكون الأسلوب الأمثل للتعاطي مع رئيس ذي شخصية عنيفة ومضطربة، لكن يجب عدم ترك تصريحات ترامب تمر دون رد واضح وجاد يؤكد أن سيادة الأردن ليست محل تفاوض.

الخلاصة

تصريحات ترامب تحمل في طياتها مزيجًا من الغطرسة السياسية، وربما تثير اعتقاد بعض الأردنيين “المتشككين دوماً” بوجود أوراق ضغط مستترة، ويميل أردنيون لتصديق ترامب بأن بلادهم سترضخ وتستقبل لاجئين من غزة، لكن الحقيقة أن هذا الأمر لا يعكس بالضرورة معرفة حقيقية بالموقف الأردني.

المطلوب من الأردن (الذي يملك بالمناسبة خيارات واسعة للتعاطي مع ترامب لم نتطرق لها في هذا التحليل)  أن يرد بوضوح على هذا الطرح، صحيح أن اللغة الانفعالية قد لا تكون مفيدة، لكن الرد ينبغي أن يكون حازماً ويؤكد أن القرار الأردني مستقل، وأن أي حديث عن تهجير الفلسطينيين هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه. والمطلوب من الأردنيين أيضاً أن يبدو ثقة أكبر بدولتهم، ويأخذوا موقفاً واضحاً من رادارات “التشكيك والسلبية” في مواقع التواصل الاجتماعي، التي التقطت هذا التصريح لتدعيم مروياتها المكررة حول الأردن وإشاعة أجواء من عدم الثقة بالدولة، وهو أمر بالغ الخطورة، لأنه في أقل تقدير يعد أداة بيد الآخرين لتمرير مخططاتهم التي تستهدف البلاد.

قد يعجبك ايضا