منحاز للصحافة المكتوبة

55
أنا منحاز للصحافة المكتوبة في وجه المرئية. منحاز لإرث عمره اكثر من 150 عاما في بلاد العرب، لصحافة استهلكت أجيالا حفرت بالصخر لترى الكلمة النور. ففي البدء كانت الكلمة، والكلمة حملت المعاني والأفكار، وتفجرت ينابيع واخضرت بساتين، في السياسة والثقافة والمعرفة والأدب.
لا أكره الصورة، وأقدر لها أنها اختصرت المسافات، وقرّبت الفهم، وأضفت مزيدا من الصدق على الخبر، وفتحت أفقا جديدا في التأثير وردود الفعل، فمن ينسى الطفلة “كيم فان” أيقونة حرب فيتنام، والطفل الفلسطيني محمد الدرة، وإيلان الكردي، وعمران الجريح المذهول في سيارة الإسعاف. لكنها – أي الصورة- في المقابل قدمت لنا مسوخا مشوهة، وانتجت أنماطا من السطحية والتفاهة، أقامت طويلا ومرشحة للبقاء أكثر، مع ما تواجهه الصحافة المكتوبة من تهديدات وجودية.
محطات التلفزة العربية – غالبيتها – لم تقدم مفكرين، أو شعراء، أو مثقفين، أو علماء، خلافا للصحافة المكتوبة التي قدمت الكثيرين والاسماء أكثر من ان تحصى.
محطات التلفزة والمنصات الحديثة المشابهة، جعلت من أرباع الشعراء شعراء مكتملين، ومن أنصاف الادباء، أدباء مكتملين.. وصنعت نجوما من كرتون، خواء في المضمون، مفضوح في أول السطر، لكن زهو الصورة، جعلته متقبلا، فصار التافة متقبلا والهراء نمطا ثقافيا يلقى به في بيوتنا.
محطات التلفزة العربية لم تقدم إعلاما حقيقيا في تاريخها، وبقينا عقودا نقارن بحسرة بين إعلامنا واعلام الغرب، في المهنية والاحتراف والمصداقية، وخسرنا كل الرهانات على تطوره، وخروجه من شرنقة الضحالة. وبحجم ما تأملنا خيرا في المحطات الجديدة في التسعينات، كان السقوط المدوي في المصداقية، حين غرق الاعلام العربي في الحسابات وارتبك في الاجندات قبل الربيع العربي وبعده، حتى رأيناه يتورط في الدم، تماما كما يفعل الطغاة والمجرمون.
قد يعجبك ايضا