الدرس الياباني يقول: هناك أمل

14
كنت أشاهد فيلماً قصيراً، لما وصف بأنه أول مقطع مصور لـ”نساء المتعة الجنسية” اللواتي أجبرن على العمل لإمتاع الجنود اليابانيين خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ومعظمهن كوريات.
المقطع الذي يظهر عدداً من النساء يقفن في طابور بانتظار أخذهن إلى معسكر للجنود اليابانيين، يظهر جانبا غير مألوف لدى اليابانيين، أو صورة مغايرة تماما لواقعهم الذي نتصوره. وبالمناسبة يقدر نشطاء كوريون جنوبيون عدد النساء اللواتي أجبرن على العمل في بيوت للدعارة للجيش الياباني بحوالي 200,000 امرأة.
في الحقيقة فإن الصورة التي يبدو عليها اليابانيون الآن من التهذيب والانضباط والاخلاق الرفيعة والصدق والامانة والإخلاص، لم تكن كذلك في السابق، بل يصدم المرء وهو يقرأ تاريخ هذا الشعب قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية، حتى انتشر في العالم ما سمي “يابان فوبيا” وهي الظاهرة التي تعني الخوف من الوحش الياباني المفزع في الكثير من مناطق العالم.
الإمبراطورية اليابانية مثلا احتلت معظم بر الصين وكلاً من الكوريتين وهونغ كونغ وميانمار وفيتنام وتايلاند والفلبين وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا.
اليابانيون ارتكبوا مذبحة نانجنغ الشهيرة، إذ قتلت قواتهم ما يصل إلى 300 ألف صيني خلال ستة أسابيع فقط.
اليابانيون قتلوا 20 مليون صيني على الأقل، إلى جانب 4 ملايين إندونيسي، ومليوني فيتنامي، وإجمالي الذين لقوا حتفهم على يد الإمبراطورية اليابانية يصل تقريبا إلى 30 مليون شخص.
تخيلوا أن اليابانيين الذين لا نصدق أن أيا منهم قادر على إيذاء عصفور الآن، كانوا في السابق يتفننون في أشكال التعذيب والقتل بطريقة فاقت حتى الدواعش. ومن القصص الشهيرة التي تروى في هذا المقام مراهنة الجنود اليابانيين في 1939 على من يمكنه طعن أكبر عدد من الصينيين حتى الموت، ونشر الجيش الياباني صور هذا العمل البشع لرفع الروح المعنوية القومية بين جنوده!.
تخيلوا أيضا أن من أنشطة الجنود اليابانيين الترفيهية، رمي الأطفال في الهواء وامساكهم بواسطة الحِراب.
هؤلاء هم أنفسهم اليابانيون الذين أبهروا العالم ليس في علمهم وتقدمهم وانضباطهم وتفانيهم فقط، بل وفي أخلاقهم الرفيعة أيضا.
هؤلاء هم أنفسهم الذين يستقيل بينهم وزير للتعليم بعدما شاهد طلبة يمزقون الكتب، معتبرا ذلك دليلا على فشله في إدارة وزارته. ويستقيل وزير آخر بينهم بعدما زلّ لسانه، وقال إنه كان من الأفضل أن يضرب الزلزال وتسونامي المدمر لعام 2011 منطقة شمال شرق البلاد بدلاً من المناطق القريبة من طوكيو، لأن الخسائر حينها ستكون أقل!
وهم أنفسهم الذين ألزموا طلبتهم بدراسة مادة التربية الأخلاقية بعدما لاحظوا ارتفاع معدلات التنمر بين صغار السن أو «الأحداث».
كيف حصل هذا التغير، وما الذي يجعل الانسان المتوحش الهمجي، يتحول إلى راعٍ للقيم وحارسٍ للفضيلة؟ كيف تحولت اليابان من بلد مُدَمّر مهزوم ومعنويات شعبها في الحضيض بعد الحرب الثانية، إلى بلد ملهم للشرق والغرب؟
الدرس الياباني مهم للغاية لاستلهامه في منطقتنا. فهذا المستوى من التوحش عل نحو ما شاهدنا في السنوات الماضية في منطقتنا، لا يعني أننا أمة لا امل فيها. وهذا التخلف الحضاري المريع، قد يعقبه صحوة على هذا الصعيد تعيد الاعتبار لشعوب هذه المنطقة، وتضعها على سلم الإنسانية كما غيرها من الشعوب.
الدرس الياباني يقول: هناك أمل.. لكن كيف ومتى فهذا يلزمه نقاش آخر.
* نُشر في 2017
قد يعجبك ايضا