ثمة من يعبث وعلينا أن ننتبه
في مشاريع خراب الأوطان كان دائما هناك من يمسك معوله ويتحرك في اتجاه الهدم، إما بحسن نية أو بتأثير ذوي أجندات أقل وصف مناسب لها بأنها ملتبسة. من يتابع الآن الهجوم المنظم على شخصيات مثل حسين الرواشدة وعمر العياصرة وسميح المعايطة وغيرهم، يدرك أن ثمة من انتقل في نواياه التخريبية من المجهودات الفردية إلى العمل المنظم.
أتابع مقالات حسين الرواشدة أولاً بأول، ولم أقرأ له سطراً واحداً يطعن أو يشتم فيه المقاومة أو يمتدح اسرائيل أو يبدي غلظة وهو يتحدث عن ضحايا الحرب الظالمة هناك. بالعكس كان دائماً شديد التأثر وهو يتحدث عن المأساة في غرة. كل ما قاله الرجل يمكن اختصاره في جملة واحدة : “نحن في بحر متلاطم شديد الخطورة فعضوا على الأردن بالنواجذ حتى تمر العاصفة”. بأي منطق يراد لنا أن نصنّف كل من يحب الأردن ويخاف عليه من السقوط والفشل والضياع بأنه خائن ومتصهين وعميل! هذا كثير ولم يعد يحتمل.
فجأة ومنذ يومين بدأت تصلني فيديوهات قديمة للعين عمر العياصرة ( لا أعرفه ولا علاقة لي معه) تتضمن مقاطع جريئة في نقده للدولة، فيديوهات تشيطنه وتحرّض ضده، بدعوى أنه شتم النظام في وقت سابق فكيف للملك أن يضمه إلى مجلس الأعيان!. والغاية هنا واضحة وهي استهداف كل من يحاول النأي بالأردن عن أتون نيران الفوضى بالمنطقة. وما الغريب في أن يعيد المرء النظر في مواقفه!. هذه سمة غير المتخشبين ممن يُعملون العقل ولا يضعون أمامه متاريس من جهل وخرافات..
قلت سابقاً، الربيع العربي كان كاشفاً جداً جداً عن حجم الكارثة التي تعيشها الشعوب العربية، والتي تمنعه من أي تغيير راديكالي أو انقلابي. لذلك تغيرت مواقف الكثيرين من أصحاب الرأي والفكر إزاء فكرة التغيير القسري. بالنسبة لي شخصياً قناعاتي بعد الربيع العربي مختلفة تماماً وجذرياً عما قبله. ولا أجد في ذلك عيباً، بل العيب أن لا تعتبر ولا تعمل عقلك في اللحظة الصحيحة وتستدرك الخطأ قبل الطوفان.
اللافت أن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأردن حالياً تبدو منظمة ومتزامنة.. بوب وودوارد، التشكيك في المواقف السياسية.. شيطنة المدافعين عن الأردن.. فتوى الغرياني بقتل الجنود الأردنيين.. تحريض مواقع “الأخوان” في تركيا على الأردن.. المسيرات التي بدأت تسقط في الأردن فجأة!! لا أحد يقنعني بأن كل هذا يحصل عشوائياً.. ثمة من يعبث وعلينا أن ننتبه.
قلت سابقاً .. ما حصل ويحصل في المنطقة العربية هو نتاج تراكم للفشل العربي في كل المستويات، فمن الظلم أن يتحمل الأردن وحده مسؤولية هذا الفشل، ومن الظلم أن “ترى القشة في عيني بينما لا ترى الخشبة في عين أخيك”. لا بل إن الأردن بالذات سعى على الدوام إلى أن يكون خارج منظومة الفشل تلك بمواقف متزنة وعقلانية. ومن واجب كل وطني شريف أن ينتبه لما يُحاك فلا يكون بحسن نية ربما، أداة هدم لوطن لا نلمك غيره، وإذا خسرناه انتهينا إلى ما انتهت إليه شعوب المنطقة وربما أكثر بكثير.
عبدالله بني عيسى