تكشف أزمة السير المتفاقمة في عمان أسوأ في ما في شخصياتنا. في الحقيقة نحن في مركباتنا ووسط الاختناقات المرورية لسنا انفسنا ما نظهر عليه في فيس بوك أو في المناسبات الاجتماعية واللقاءات الأسرية والاجتماعية.
الضغط العصبي الذي يصيبنا ونحن نقود مركباتنا مرده الإحساس بأمور عدة، اولها أننا نهدر وقتا طويلاً دون مبرر، وثانيها أن المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات والبنية التحتية لا تقوم بواجبها تجاه المواطنين والنتيجة شوارع غير منظمة ومليئة بالأخطاء والفوضى، وثالثها أن الآخرين من السائقين يسلبوننا حقنا في الطريق حين يتصرفون وكأن الشوارع ملك لهم دون غيرهم، فتكون ردة فعلنا التصرف مثلهم في كثير من الحالات.
هناك بعض الدراسات التي حاولت تقدير الكلفة الاقتصادية الناتجة عن ازدحام السير في عمّان، نظراً للتأثير الكبير للازدحام على الاقتصاد والحياة اليومية. فازدحام السير يتسبب في زيادة استهلاك الوقود، وإهدار الوقت، وتكاليف صيانة السيارات، وتأثيرات صحية بسبب التلوث، وتراجع الإنتاجية.
وحسب دراسات سابقة للبنك الدولي فإن كلفة الازدحام المروري في عمّان قد تصل إلى حوالي 1-2% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه التقديرات تأخذ في الاعتبار الفاقد من وقت الإنتاجية، وزيادة استهلاك الوقود، وانبعاثات غازات الدفيئة.
منصة المرصد الحضري لأمانة عمان الكبرى أشارت إلى أن الوقت الذي يقضيه الأفراد في الازدحام في عمّان قد يصل إلى ما بين 80- 100 ساعة سنويًا للفرد، وهو وقت يُهدر دون إنتاجية، مما يضاعف من كلفة التنقل ويؤثر على الاقتصاد، فيما قدرت الدراسات أن حوالي 25-30% من انبعاثات الكربون في عمّان تأتي من المركبات، مما يضيف إلى الأضرار البيئية والتكاليف الصحية الناتجة عن تلوث الهواء.
هذه الدراسات على أهميتها لم تشر إلى الكلفة الأخلاقية الوخيمة والثقيلة. وللأسف فإن معظم الناس يجدون أنفسهم جزءا من تلك الفوضى المرورية وما ينجم عنها من فلتان اخلاقي وشتائم وصراخ، ولم ينجُ من هذا المطب الأخلاقي حتى طويلي البال والمتمسكين بالقوانين والذين يحترمون الآخرين.
صحيح أن شوارعنا غير منظمة وباتت تضيق بالمركبات لقصور التخطيط والتنظيم لعشرات السنين، وصحيح أن الوعي بأهمية احترام حق الآخرين في الطريق ليس بالمستوى المأمول، وصحيح أن تطبيق القانون لا يسير بحلقات متكاملة ومقنعة للمواطنين، وكلها مسببات مهمة للاختناقات المرورية، لكن تراجع منسوب الأخلاق بيننا يضاعف من حجم المشكلة كثيراً ويجعلنا نهدر من بين ما نهدر أخلاقنا وهدوءنا، فيلعب سوء الأخلاق لعبته، يتسبب حيناً بزيادة الازدحامات المرورية ويجعل حتى طويلي البال يهدرون بعضاً من أخلاقهم حيناً آخر.
الصورة كاريكاتورية من انتاج الذكاء الاصطناعي.
عبدالله بني عيسى