أكثر من مباراة… هذه ذاكرة لا تُمسح
عبد الله بني عيسى
بعد غدٍ، تلتقي عمان ببغداد على بساط أخضر، يُفترض أن يكون ميدانًا للتباري الرياضي الشريف، لا حلبةً لتصفية الذاكرة أو تمزيق التاريخ.
يراد لنا – ونحن أبناء هذه الأرض التي لم تعرف يومًا الانغلاق أو النكران – أن ننسى.
أن ننسى كيف حمل الأردنيون، في زمن الحصار القاسي الذي ضرب العراق بعد غزو الكويت، طعامهم القليل و”قراص العيد” الفقير وبيضهم وخبزهم، وأرسلوه في شاحنات المحبة إلى إخوتهم هناك، لا يسألهم أحد: ما مذهبكم؟ ما حزبكم؟ من حاكمكم؟
كانوا فقط عراقيين… وكان الأردنيون فقط أشقاء.
كنا نرى صورة الحسين الراحل – رحمه الله – يحمل بندقيته من إحدى الجبهات العراقية في حربها الطويلة مع إيران، لا لقتال، بل لموقف. صورة تهز البدن وتقول الكثير عن الروابط التي لا تُكتب فقط بالسياسة، بل بالدم والموقف والمصير.
وفي خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي مرت بها المملكة، لم يكن صدام حسين يومها بعيدًا عن وجدان الأردنيين، حين قالها صريحة: “ما يصيب الأردن نتقاسمه مع أشقائنا هناك، نحن وهم على مركب واحد.”
هذه المحطات، وغيرها كثير، هي التي شكّلت الوجدان الأردني تجاه العراق؛ العراق الذي كان عظيمًا وما زال في الوجدان، مهما مرت به المحن، والعراقي الذي ظل مرحبًا به في بيوت الأردنيين وقلوبهم.
واليوم؟
يراد لنا، بفعل منافسة كروية وموجات من التحريض الرخيص في بعض زوايا السوشيال ميديا والإعلام، أن نمسح كل هذا التاريخ، أن نلغي الذاكرة، أن نصنع من الرياضة مناسبة للشتائم والمهاترات بدلًا من أن تبقى جسرًا للتلاقي.
نقولها بوضوح: لن ينجحوا.
الأردنيون أذكى من أن يُستدرجوا إلى مربعات الكراهية المصطنعة. والمباراة القادمة ليست إلا احتفالية رياضية، فيها فائز ومهزوم في النتيجة، لكن لا مكان فيها إلا للأخوة في الروح.
لن نسمح لأحد – لا من هنا ولا من هناك – أن يحوّل الملعب إلى جدار فصل. فالعراق ليس فريقًا، إنه شقيق. والأردن ليس جمهورًا، بل بيت.
وإذا كان للرياضة من معنى، فليكن هذا:
أن نظل على العهد، مهما تعاقبت الأجيال.