اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.. رسالة إلى من يهمه الأمر.

91

 

كتب محرر الشؤون المحلية:

بعد نحو عشرة أيام على أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتعليق جميع برامج المساعدات الخارجية الأميركية مؤقتا لمدة 90 يوما، “وذلك لحين إجراء مراجعات لتحديد مدى اتساقها مع أهداف سياساته”، جاء الإعلان اليوم الأربعاء في بروكسيل عن إبرام اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، ليشكل رسالة في غاية الأهمية موجهة إلى أطراف عدة.  

القرار الأمريكي كان أثار لغطاً واسعاً في الدول التي من المتوقع أن تتأثر به،  وبينها الأردن، الذي يتلقى مساعدات سنوية من الولايات المتحدة الأمريكية تتراوح قيمتها بين 1.45 مليار دولار و1.65 مليار دولار، وذلك وفقًا لمذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين. في عام 2022، تم توقيع مذكرة تفاهم تمتد لسبع سنوات (2023-2029) بقيمة إجمالية تبلغ 10.15 مليار دولار، مما يعادل 1.45 مليار دولار سنويًا.

ورأى محللون أن القرار الامريكي يشكل تحديًا كبيرًا للأردن، الذي يتلقى مساعدات خارجية تعد مهمة لدعم اقتصاده وسد عجز الموازنة، خاصة من الولايات المتحدة. وأعرب أردنيون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن خشيتهم من أن القرار الامريكي يمهد لضغوط سياسية على الأردن للقبول بتصورات دونالد ترامب للتعامل مع تداعيات ازمة الحرب على غزة، القطاع الذي يشهد كارثة إنسانية عميقة الأثر على السكان، خصوصاً بعد تصريحات ترامب التي أعلن خلالها عن طرحه لفكرة تهجير جزء من سكان القطاع إلى دول عدة بينها الأردن ومصر.

من هنا، فإن توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي الاربعاء، بهذا الحجم وبشكل مفاجئ إلى حد ما، إذ لم يسبق للإعلام الأردني أن مهّد لمثل هذه الاتفاقية، وبقيمة  3 مليارات يورو خلال ثلاث سنوات، منها مليار يورو لدعم الاقتصاد الكلي، يبدو كخطوة في غاية الاهمية تبعث برسائل في عدة اتجاهات، لعل اهمها حرص الملك عبدالله الثاني الذي يقود السياسة الخارجية الأردنية بحكمة ودراية استثنائيتين، على استقلالية القرار الأردني، والتأكيد على رفضه المطلق الصريح لفكرة تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، على حساب الأردن أو أي دولة أخرى.

 جاءت الاتفاقية لتملأ الفراغ الذي قد يتركه القرار الأمريكي بوقف المساعدات إن تم إقراره بشكل نهائي. وبالتالي، يمكن قراءة هذه الاتفاقية على أنها رد استراتيجي ودبلوماسي على قرار ترامب، بهدف تقليل الأثر الاقتصادي والمالي السلبي أيضاَ على الأردن وتعزيز استقلالية قراراته الاقتصادية وتنويع خياراته الاستراتيجية.

صحيح أن الاتفاقية التي توفر حزمة مالية ضخمة تشمل منحًا واستثمارات ودعمًا اقتصاديًا، تختلف عن تلك الأمريكية. فالاتحاد الأوروبي يميل إلى تقديم الدعم بشروط واضحة ومقيدة، غالبًا في شكل استثمارات أو تمويل مشروعات طويلة الأمد بدلًا من المساعدات النقدية المباشرة التي توفرها الولايات المتحدة. وصحيح أنها قد لا تكون كافية لحل الضغوط الاقتصادية المباشرة الناجمة عن تجميد المساعدات الأمريكية، إلا أن ضخ 1.4  مليار يورو في الاستثمارات و640  مليون يورو في شكل منح يمكن أن يخفف من الأثر السلبي، خاصة إذا استُخدمت الأموال بشكل فعال لدعم المشاريع الإنتاجية وخلق فرص عمل.

العلاقات الأردنية – الأمريكية

تعكس هذه الاتفاقية مسعى الأردن لتوسيع خياراته الدبلوماسية وتقليل اعتماده على الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للمساعدات. وقد يُنظر إليها في واشنطن على أنها محاولة أردنية لتنويع تحالفاته الاقتصادية، وهو أمر قد لا يروق للإدارة الأمريكية، لاسيما هذه الإدارة التي تثير سياساتها الكثير من الجدل حول توجهاتها في العديد من الملفات العالمية والإقليمية.

وأيا كانت القراءة الأمريكية للاتفاقية غير المسبوقة فإنها تعزز الموقف التفاوضي الأردني في أي محادثات مستقبلية حول إعادة المساعدات الأمريكية، حيث تُظهر أن الأردن قادر على إيجاد بدائل أخرى لدعم اقتصاده.

على الرغم من توسيع الشراكة مع الاتحاد الأوروبي على هذا النحو، لا تزال الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا مهمًا للأردن، خاصة في مجالات التعاون الأمني والعسكري. ويبدي الأردن حرصاً أكيداً على استقرار هذه العلاقة التاريخية، لكن ذلك لن يمنعه من تعزيز التعاون الأمني بين الأردن والاتحاد الأوروبي، كما تنص الاتفاقية، ما قد يشير إلى إعادة ضبط تدريجي لمعادلة الشراكات الأمنية الأردنية، مع الحلفاء التقليديين.

إن شمول الاتفاقية قضايا أمنية وسياسية، مثل، مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، ودعم الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، وتعزيز الاستقرار في المنطقة، أمر له أهمية قصوى، إذ تشكل استجابة مهمة  لظروف التوترات الأمنية الإقليمية، وتعزز الموقف الأردني في النزاعات الإقليمية حول القدس، لاسيما أن الاتحاد الأوروبي يرى في الأردن شريكًا حيويًا للحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، وما يعد رسالة مباشرة لإسرائيل التي لطلما حرّض يمينها المتشدد فيها ضد الأردن رداً على مواقفه الرافضة لحرب الإبادة التي شنتها على اسرائيل.

على الرغم من أن الاتفاقية توفر دعمًا ماليًا واقتصاديًا مهمًا، إلا أن التحديات الاقتصادية الأردنية أكبر من أن تُحل باتفاق واحد. لا تزال هناك حاجة لإصلاحات اقتصادية داخلية، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحفيز القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية.

صحيح أن الاتفاقية تعكس محاولة أردنية ذكية لتخفيف آثار تجميد المساعدات الأمريكية عبر تنويع الشراكات الاقتصادية، وتمنح الأردن دعمًا ماليًا ضخمًا، إلا أن المطلوب استثمار الدعم الأوروبي بشكل فعال في مشاريع إنتاجية مستدامة بدلًا من مجرد سد العجز المالي، والإسراع في الإصلاحات الاقتصادية الداخلية لتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية على المدى الطويل.

 

قد يعجبك ايضا