ضربة إيران المنتظرة وموقف الأردن
مسالة ضرب إسرائيل لإيران باتت محسومة.. زمنياً الضربة وشيكة وقد تكون خلال ساعات.. أما حجمها، فمن الواضح أنها ستكون كبيرة وربما صادمة إذا صدقت بعض التقارير الإعلامية الغربية التي تتحدث عن استهداف واسع لمواقع حيوية عسكرية واقتصادية وشخصيات سياسية كبيرة، ما يجعل رد إيران في حكم المؤكد.
ما يهمني هو تداعيات هذا الحدث الوشيك على الأردن. فعلينا أن نستعد مجدداً لسيل التخوين والتشكيك والاتهامات من بعض العرب وربما الأردنيين، على خلفية التصدي المنتظر والمؤكد للأردن للصواريخ التي تعبر اراضيه والقادمة من إيران. فالموقف الأردني ورغم أنه ينطلق من حسابات وحساسيات بالغة الدقّة والتعقيد ومتفهم بمنطق السياسة والحسابات الاستراتيجية، ويتوخى سلامة وأمن البلاد، إلا أنه يظل محل تشكيك.
سيأتي من يقول: فلتسمح إذن عمان بمرور الصواريخ الإيرانية وتعفي نفسها من الاتهامات والتشكيك بمواقفها، وعندها سأجيب بأن الأردن لديه الكثير ليقوله توضيحاً لموقفه من الصواريخ الإيرانية، لكنه مع ذلك سيظل محل تشكيك وتشويه متعمد حتى لو احترق وأمسى رماداً في سبيل قضايا العرب.
لاحظوا أن الأردن هو الدولة الأولى في استهدافات “الشعبويين” وذوي الأجندات الملتبسة، مع أن مواقف دول كثيرة في الإقليم مثيرة للجدل وتطرح العديد من الأسئلة.
كنت أستمع للمؤتمر الصحفي الذي جمع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، ووزير الخارجية الأمريكي اليوم في الدوحة، ولفتتني جداً اللغة المحايدة التي تحدث بها الوزير القطري عن ضرورة الحفاظ على أرواح المدنيين لدى كل الأطراف، وقارنتها باللغة التي يستخدمها وزير خارجيتنا أيمن الصفدي منذ 7 اكتوبر 2023، الممتلئة حدة في مهاجمة اسرائيل ونقد من يدعمها نقداً مباشراً. ومع ذلك فإن وضع قطر على مقياس ريختر للشعبوية العربية متقدم جداً والأردن متأخر.
لاحظوا معي أيضاً، أن الدولة اللبنانية لا تنخرط في حرب دفاعاً عن حزب الله الذي هو حزب سياسي ممثل بعدة وزراء في حكومتها أمام الحرب الشرسة التي تشنها اسرائيل عليه، ولا أحد ينتقد موقفها الذي يبدو متفهماً من الأوساط الرسمية والشعبية العربية. بالمناسبة الحكومة اللبنانية تعتبر الحرب على حزب الله عدواناً على لبنان، ومع ذلك لم يغير هذا الاعتبار من الأمر شيء، لا بل إن موقف الجيش اللبناني الذي يلتزم الحياد أمام حرب تستهدف بلاده وأمام احتلال لأراضٍ يفترض أنها تحت حمايته يبدو متفهماً أكثر من موقف الأردن الذي يجاهد حتى لا تسقط البلاد في أتون نيران المنطقة ويطالها الدمار والخراب المشهود الماثل أمام الأعين.
أكثر من ذلك يبدو للمراقبين أن موقف السلطة الفلسطينية التي ما زالت تتبنى المسار السلمي لحل القضية الفلسطينية، وتنأى بنفسها فعلياً عما يجري في غزة، وتحاول بكل جهد ممكن للحيلولة دون انخراط الضفة الغربية في مواجهة مفتوحة من الاحتلال، متفهماً لدى الأساط الشعبية العربية والإسلامية أكثر من موقف الأردن!.
موقف تركيا التي تعد وسيطاً لصادرات الوقود والنفط من مناطق مثل كردستان العراق، وتسعى منذ سنوات إلى أن تكون ممرًا رئيسيًا للغاز الطبيعي الإسرائيلي المتجه إلى أوروبا، والتي تستمر في تصدير المنتجات البترولية والوقود إلى إسرائيل، متفهم، وأكثر من ذلك ينظر إليها على أنها ملاذ المقاومين والشرفاء العرب، وتستضيف ملتقى لشباب العالم الإسلامي، باعتبارها قلعة متقدمة للدفاع عن فلسطين وقضايا الأمة!.
ولاحظوا أيضاً أن موقف النظام في سوريا، المحتلة أرضها، والذي يتلقى الضربات الاسرائيلية بوتيرة دائمة دون رد، والذي جوّع شعبه وأذله عقوداً وهو يستعد للمواجهة الكبرى مع اسرائيل، فإذا جاءت لحظة المواجهة انسحب وكأن الأمر لا يعنيه، حتى هذا الموقف يبدو للكثير من العرب متفهماً، أكثر من موقف الأردن!.
أنا لا انتقد مواقف الدول التي ذكرتها، بل أتفهم أن لكل دولة ظروفها وإكراهاتها، لكن تستوقفني بشدة تلك الازدواجية في المعايير.
يمتلك الأردن رؤية وتصوراً واضحين لما يجب أن يفعله لحماية أرضه وشعبه ومؤسساته، ويتعامل مع إكراهات واسعة بحكم وضعه الجيوسياسي والاقتصادي، ويتصرف كدولة عاقلة ومتزنة وعميقة، لا كميليشيا أو طائفة أو حزب. ولن يطول الزمن كثيراً قبل أن يكتشف منتقدوه حصافة مواقفه ودقتها، وإلى ذلك الحين ينبغي تجاهل الموجة الموجة الشعبوية المنتظرة في أتون المواجهة الوشيكة بين اسرائيل وإيران.
عبدالله بني عيسى