عبدالله مبيضين: “أنا لا أترك خطوة في عمّان إلا أرسمها”

40

 

في نصّ تأمّلي يفيض بحبّ عمّان، كتب الكاتب الصحفي عبدالله مبيضين مقالاً يحمل بعداً إنسانياً وشعرياً، متعقباً جوهر العلاقة بين الكاتب والمدينة، مؤكداً أن الكتابة ليست فقط وسيلة للتعبير، بل طقس من طقوس الحب والانتماء. وتالياً نص المقال الذي نشره في حسابه عبر “فيس بوك”:

بعيداً عن الحائط اللغوي الذي يحجب اللغة عن معناها أحياناً، ويمنع دلالة الألفاظ من الوصول إلى غايتها مثلما يمنع “تدخّل قدريّ” من وصول مياه جدول نقية إلى شتلةٍ من الزعتر البريّ ..
وتجاهلاً لمزاج الافتراض الأزرق الذي يستعير “غضب” الناس وآرائهم السياسية واختلافاتهم حول ما يحدث في الجوار القريب … أود أن أكتب عن عمّان، حبيبة الروح. وعن “بعض” من يسكنها ويذكّرني بتفاصيلها:
يعيش من “يكتب” … حياته مرات ومرات.
يعيد ترتيب سياق كل لحظة فيها كما تفعل الاستعارة ويفعل المجاز في الأغنيات .. وكأنه يرتّب الزمن والمسافة.. والإيقاع.. مرّة أخرى… لتستقرّ في الروح.
يفعل ذلك لأنه أخطأ في استعمال “اللغة”، أو أخطأته ربما.. حين كان يبحث عن قلبه خارج هذا الكوكب الحزين.
يتذكر.. والذاكرة إبنة الماضي الجميل.
ويتخيّل.. لأنه يبحث عن شكل آخر لصورة المستقبل في القصيدة.
من “يكتب”، يُفرّغ الغضب على ورق..
والغضب حروف وكلمات مأهولة بالمشاعر والصور في أغنية مؤجلة !
أمّا الغناء.. فهو “طقوس” الهائمين في تأملاتهم بالبادية.. حين يشتدّ عليهم لهيب النهار تحت الشمس. أو عندما يشبهون أنفسهم، ومن حولهم، حتّى عندما يذكر أحدهم الآخر .. فإنّه يذكر تفاصيل الأمكنة التي جمعتهم في الرواية !
كلّ واحد فينا يتمنى أن لا يكون سواه، ويرغب في أن يكون أفضل ما يسكن قلبه الأبيض. ليس فينا من لا يُمطر قلبه بالندى الناعم الأنيق حين تحيط به غيمة. لكن الغيوم تمضي وتختفي .. ثمّ تمطر فوق المدى ذاكرة البدايات الجديدة …
وتستمر الحواس في تتبع مسار إحساسها حتّى يأخذها إلى الجوهر؛ ابتعاد واقتراب، حقيقة وخيال، مجاز واستعارة، غضب يتبعه هدوء، صحو بعد إغماء .. ثمّ تبدأ الأسئلة ونغفو في أحضان المصير …
أصدقائي .. المسافة بين النّاس ذاتها بين الوريد والقلب، أمّا الآخر فهو نحن.. وما فينا لا يعدو كونه درج حجريّ يصعد من وسط البلد في عمّان .. مع أخطائنا اليومية إلى السماء. هناك حيث تستدل البصيرة والملائكة على العيون التي في القلوب .. دون أن يمنعها أي حائط لغويّ عن الحياة.
هنا عمّان. حيث يشبه كلّ من فيها أيّ شخص يراه، وحيث يسكن أسطح بيوتها حمامات بيضاء .. لا يمنع صوت هديلها من تحليق الروح في السماء
!
أكتب لمن رأيت قلبه ولم يراني.
هنا النهار والشمس.. في عينيه وفي قلبه الأبيض.
والمسافة بين الناس هي ذاتها بين الوريد والقلب.
أنا لا أترك خطوة في عمّان إلا أرسمها.، ولا لحظة إلا أعيشها، ولا أغنية إلا أسمعها .. فكلّ ما أعيشه هناك هو لحظة أبديّة.
أمّا الأبد.. فهو أنت، حتّى لو .. مهما كان ذلك.. سأذكره بالمحبة .. مثلما يذكر الصامتون المتعبدّون صوت العصافير وهم يقتربون من الله.
قد يعجبك ايضا