د. جهاد العمري: “الأبواب.. مرآة الذكريات وروح الزمن”
طرح الدكتور جهاد العمري في منشور له تأملات عميقة حول ذكرى جدته التي ارتبطت لديه بصورة الباب القديم، بما في ذلك الأبواب البحر متوسطية التي تحمل معها بساطة الحياة وروح التفاؤل رغم الفقر. في سرد شعبي مؤثر، يتذكر العمري تفاصيل طفولته مع جدته ورغبتها الدائمة في العناية به وتقديم حبها الفطري من خلال طقوس يومية. ومن خلال كلمات مليئة بالعاطفة، يربط العمري بين ذكرياته وأثر الأبواب العتيقة التي تنقله عبر الزمن إلى لحظات غابرة ترافقها ملامح الحياة البسيطة التي لا تفسد مع مرور الأيام.
وتالياً نص المنشور:
هناك شيء يشدني إلى الأبواب…. لا ادري ما هو السحر الذي يجعلني اتأملها وخصوصاً تلك الابواب البحرمتوسطية سواء كانت إيطالية او مغربية او سورية او فلسطينية….. المهم ان تكون عتيقة وغير متكلفة وتحمل معها بساطة العيش وحتى الفقر المجبول بروح التفاؤل….. تلك الأبواب البسيطة تذكرني بجدتي لوالدي وباب غرفتها المفتوح على الشمس والمصطبة وساحة البيت الوسيع ومفتاحها المعلق برقبتها…. المفتاح الكبير الذي حمله معهم اهل الأندلس عندما غادروها وكذلك اهل فلسطين…. جدتي كانت امرأة تقية…. في الواقع تقية جداً…. لا أذكر اني رأيتها يوماً لا تتمتم بسور القرآن وتلهج بالدعاء لأبنائها…. لوالدي إِحمد …. نعم إِحمد بكسر الألف كما تلفظ بشمال الاردن وكافة مناطق حوران…. اذكرها عندما كانت ترسلني والدتي للمبيت في القرية في طفولتي البعيدة…. كانت جدتي تصر أن أبات الليل دائماً معها في غرفتها بجانب مضافة جدي حيث يبيت وبينهما كوة صغيرةً كان يناديها منه او تناوله بعض الاغراض…. كانت توصيني أن لا أشرب الماء إلا من خابيتها (جرة الماء) ومن كاستها وكانت تغطي الجرة بقطعة من الشاش وفوقها ماعون حديدي…. في المساء بعد ان ينهكني التعب من اللعب مع ابناء عمومتي كنت اعود معفراً إلى غرفتها لتبدأ طقوس الحمام والتنظيف في “اللقن” لأنام بعدها قرير العين بانتظار الصباح وذلك الأفطار البسيط المليء بالحب…. كأس الحليب الطازج الساخن مع السكر وبيضة طازجة مسلوقة مع خبز الطابون من صنع يديها …. كانت جدتي “مدقدقة” كما يقولون (وهو الوشم) وكانت أية في الجمال …. قبل ان يتوفاها الله بفترة ذهبت لزيارتها واعطتني قطعة من التمر ولما كانت معدتي تؤلمني قلت لها سأكلها لاحقاً فغلفتها لي بمنديل زهري اللون ووضعتها بجيبي…. نسيت التمرة والمنديل ورجعت إلى لندن … توفيت جدتي رحمها الله بعدها بفترة قصيرة وبقيت التمرة والمنديل عندي شهوراً وسنوات فاقت العشرين سنة… لم تتبدل ولم تفسد وبعدها فقدتها في الرحيل بعد ان كنت أتبرك بها…. وما زلت ابحث عن المنديل والتمرة ……لم أفقد الأمل