الاقتصاد الأردني يتنفس.. فهل نمنحه فرصة لينهض؟
خلال الأشهر الأخيرة، شهدت المؤشرات الاقتصادية في الأردن تحولًا لافتًا، يكاد يكون غير مسبوق منذ سنوات. فجأة، بدأ الحديث عن تحسن حقيقي في الأداء الاقتصادي، لا فقط على مستوى النمو، بل في قطاعات كانت لعقود تعاني من الركود والتآكل. كأن جسد الدولة الذي أنهكته أزمات متلاحقة بدأ يتعافى تدريجيًا.
الناتج المحلي ارتفع بنسبة 2.6% في الربع الثالث من 2024، وهي وتيرة لم تسجلها البلاد منذ ما قبل جائحة كورونا. وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية إلى 21.1 مليار دولار، في رقم هو الأعلى في تاريخ المملكة. أرباح الشركات المساهمة المدرجة في بورصة عمّان حققت ثاني أعلى قيمة لها منذ تأسيس السوق، بزيادة فاقت 6%. حتى معدلات البطالة، التي طالما كانت مؤشرا على الإحباط الوطني، سجلت تراجعًا طفيفًا لكنها لافتة.
الدخل السياحي بلغ 6.7 مليار دولار، والتحويلات المالية من الأردنيين في الخارج ارتفعت بنسبة 3.1%، ما يعكس استعادة تدريجية للثقة في الاقتصاد الوطني، داخليًا وخارجيًا.
هذه المؤشرات مجتمعة تقول شيئًا واحدًا: الأردن يتعافى. ليس على الورق فقط، بل على الأرض، في دفاتر الشركات، في ميزان المدفوعات، وفي نسب التوظيف. تعافٍ لم نعهده بهذا الشكل منذ سنوات.
لكنّ الخشية تكمن في أن يكون هذا التعافي هشاً، فمن الواضح أن هناك من لا يريد لهذا البلد أن يلتقط أنفاسه ويعيد ترتيب بيته.
وهنا تُطرح المعضلة الحقيقية: هل نسمح لهذا التعافي بأن يُجهض مرة أخرى؟ أم نستدير، كدولة وناس، نحو الداخل، ونضع أقدامنا على طريق واضح عنوانه: لا أولوية تعلو على النهوض بالاقتصاد الوطني.
الاستدارة نحو الداخل لم تعد ترفًا، بل ضرورة ملحة. لم يعد مقبولًا أن نربط مصير أبنائنا بوقائع عابرة، ولا أن نعلق مستقبل البلاد على أحداث خارجية، ستنقضي مهما طالت. التنمية، البنية التحتية، فرص العمل، كلفة المعيشة، التعليم، الطاقة.. هذه هي معاركنا الحقيقية.
الدولة بدأت تحركاً واضحاً باتجاه إعادة ترتيب المشهد الداخلي، عبر تفكيك “دمامل التأزيم” المزمنة بقرارات جريئة غير مسبوقة، إصلاحات اقتصادية وتنظيمية، ومنح الأولوية للنمو والاستثمار والاستقرار. وما هو مطلوب من الأردنيين اليوم، هو التفاعل مع هذا التوجه، لا مقاومته.
لسنا بحاجة لمن يشكك بكل شيء، أو يهوّن من أي إنجاز، أو يرفع شعار “التخوين” كأداة يومية. نحن بحاجة لمن يبني، لا لمن يهدم. لكل من يراهن على لحظة وطنية مفصلية، يضع فيها الأردن نفسه على سكة التعافي الكامل، بشجاعة، وبعقل بارد، وبعين على المستقبل.
الاقتصاد الأردني بدأ يتنفس. فهل نمنحه فرصة لينهض؟