اختلفنا على كل قضايا العالم .. لنتفق على الأردن

187

 

بداية، لست بصدد مصادرة حق أي أحد بالاختلاف، ولست ممن يؤمنون بالرأي الواحد والسلطة الواحدة والمجتمع الواحد واللون الواحد في المجتمعات. فالاختلاف في الرأي ظاهرة صحية تعكس التنوع الفكري والثقافي في المجتمع. لكننا في الأردن ربما نشكل حالة سياسية نادرة، إذ نختلف حول كل قضايا العالم ونتعامل معها وكأنها قضية محلية تماماً ولا نتفق على الأردن.

اختلف الأمريكيون مثلا على قانون الرعاية الصحية “أوباما كير” وعلى حق المرأة في الإجهاض وعلى قوانين حمل السلاح. واختلف الاستراليون والكنديون على قضايا المناخ، وانقسم الفرنسيون على قوانين زواج المثليين. واختلف البريطانيون

على سياسات خفض أو رفع الضرائب، والاسبانيون حول استقلال كتالونيا.

هذه الانقسامات تشير إلى أن المجتمعات الغربية، رغم تقدمها الديمقراطي، ليست محصنة من الاختلافات، لكن سمتها بقيت محلية وذات مساس مباشر بمصالحها أو بهويتها أومستقبلها. في المقابل اختلفنا في الأردن، حول حزب الله، ونصر الله، وايران، وحول ما جرى في لبنان، وما يجري في سوريا، وعلى بشار الأسد، وأحمد الشرع، وحول الموقف من عباس والسلطة وما يجري في الضفة الغربية، وعلى الحرب الروسية الأوكرانية، وعلى ما يجري في السودان، وتقاذفنا الاتهامات فيما بيننا على اختلافات العرب حين كانت في أوجها، انقسمنا حتى حول تصرفات الأمير هاري وميغان ماركل.

نختلف حول القضايا الإقليمية والدولية، نناقش السياسات والقرارات، ننتقد ونتحاور، وهذا حقنا الطبيعي. لكن حين تصل الاختلافات إلى الأردن وحوله، فثمة مؤشر خطر يتعلق بوحدة المجتمع.

لماذا أقول هذا؟

أقول ذلك لثلاثة أسباب مهمة: الأول أنني صرت أخشى أن تشهد ثقافة الاختلاف بين الأردنيين تغيراً في بنيتها وأشكالها ومدياتها. وهنا نقع في المحظور، حين تتحول الاختلافات إلى خلافات تليها انقسامات فاصطفافات وتمحورات تذهب بالبعض إلى أقصى درجات الشطط والغلو، خصوصاً أن البنية العقائدية لدى البعض تدعم هذا الغلو. والسبب الثاني، يتعلق بالمنطقة التي تشتعل من حولنا من كل الجهات، ما يوفر بيئة ملائمة لانتقال هذا الخلاف بل والاقتتال والاحتراب إلى مجتمعنا ولو على شكل اختلافات في الرأي. أما السبب الثالث، فهو يتعلق بالظروف الإقليمية أيضاً لكن من زاوية علاقة الدولة بالمجتمع. ففي لحظة ووفق منعرجات الوضع السياسي والميداني فيها، ستتقدم الدولة خطوة للحفاظ على تماسك المجتمع ووحدته، وسيكون لها موقف ورأي واضح لحماية مصالح البلاد، وما لم تتوفر البيئة المناسبة لتقبل هذا الموقف انطلاقا من فهم عميق لتلك المصالح، ستتحول إلى أداة انقسام أخرى خطرة.

عندما يتعلق الأمر بالأردن، فإن هذا الخلاف يجب أن يتحول إلى تكاتف، إلى وحدة هدف ورؤية مشتركة تعمل من أجل بناء مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا. هذا ليس كلاماً إنشائياً، بل خارطة طريقة فعلية للنجاة من أتون اشتعال المنطقة بالخلافات والاختلافات والاقتتال.

لنختلف في الرأي، لا بأس، لتتعدد الآراء وتتصادم الرؤى حول السياسة والاقتصاد وحتى الرياضة، لكن يبقى الوطن هو القاسم المشترك الذي يجمعنا جميعًا.

أما كيف نتفق على الأردن، فثمة خطوط عريضة يعد التوافق حولها ضرورة ملحّة في هذا الوقت، لعل أهمها الاتفاق على مسؤوليتنا تجاه الوطن. والوطن ليس فقط الأرض التي نعيش عليها، بل هو الكيان الذي يستحق منا الولاء والعمل الدؤوب. مسؤوليتنا تبدأ من احترام مواقفه الكبرى وثوابته وأمنه وقوانينه ومؤسساته، وتعزيز قيم التسامح والانتماء، والعمل من أجل تقدمه وازدهاره.

ثم علينا، تعزيز الحوار الوطني، أن نتعلم كيف نختلف بشكل حضاري، وأن نحول خلافاتنا إلى فرص للتفاهم. إلى جانب التربية على الانتماء، وتعزيز قيم العدالة والمساواة والنزاهة والشفافية في مؤسساتنا.

أيها الأردنيون، نحن نعيش في وطن تحيط به التحديات من كل جانب، ولعلنا نكون أمام تطورات لا نعرف مدياتها حتى اللحظة، ولا يمكننا التكهن بمآلاتها. مهما اختلفنا، شرّقنا أو غرّبنا، لنتفق على أن هذا الوطن هو إرثنا وبيتنا وهويتنا ومستقبلنا الذي يجب أن نحميه.

عبدالله بني عيسى

 

قد يعجبك ايضا